كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما بين بهذا أن الرزق ليس إلا في يده أتبعه ما يزهد في طلب رزق البدن ويرغب في رزق الروح فقال تعالى على سبيل الاستئناف:
{من كان} أي: من شريف أو دني {يريد} أي: بعمله {حرث الآخرة} أي: أعمالها والحرث في اللغة الكسب {نزد له} أي: بعظمتنا التي لا يقدر أحد على تحويلها {في حرثه} قال مقاتل: بأن يعينه على الأعمال الصالحة ويضاعف بالواحدة عشرة إلى ما شاء الله تعالى من الزيادة، وقال الزمخشري: إنه تعالى سمى ما يعمله العامل مما يطلب به الفائدة حرثًا على سبيل المجاز {ومن كان} أي: من قوي أو ضعيف {يريد} أي: بعمله {حرث الدنيا} أي: أرزاقها التي تطلب بالكد والسعي وتستنمي به مكتفيًا به مؤثرًا له على الآخرة {نؤته منها} أي: ما قسمناه له ولو تهاون به ولم يطلبه لآتاه، وقرأ أبو عمرو وشعبة وحمزة بسكون الهاء، واختلس قالون كسرة الهاء، وعن هشام اختلاس الكسرة في الهاء والإشباع، والباقون بإشباع الكسرة {وما} أي: والحال أن طالب الدنيا بعمله ما {له في الآخرة من نصيب} لأن الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، وروى أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصرة والتمكن في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب».
أي: لأن هذا تهاون بالآخرة فلم يبنوها وهي أشرف من أن تقبل على من أعرض عنها فإنها ضرة الدنيا وضدها، فالدنيا بخساستها تقبل على من أعرض عنها وتبعد عمن أقبل عليها حتى تهلكه في مهاويها، والآخرة تقبل على من أقبل عليها أضعاف إقباله وتنادي من أدبر عنها لينتهي عن غيه وضلاله، فلما سمى الله تعالى كلا القسمين حرثًا علمنا أن كل واحد منهما لا يحصل إلا بتحمل المشاق والمتاعب وصرف هذه المتاعب إلى ما يكون في الزائد الباقي أولى من صرفها لما يكون في التناقص والانقضاء.
قال الرازي في اللوامع: أهل الإرادة على أصناف مريد الدنيا ومريد الآخرة ومريد الحق جل وعلا، وعلامة إرادة الدنيا أن يرضى في زيادة دنياه بنقص دينه والإعراض عن فقرأء المسلمين وأن تكون حاجاته في الدنيا مقصورة على الدنيا، وعلامة إرادة الآخرة بعكس ذلك، وأما علامة إرادة الله تعالى كما قال تعالى: {يريدون وجهه} (الكهف).
فطرح الكونين والعزلة عن الخلق والخلاص من يد النفس انتهى. وحاصله: أن يستغرق أوقاته في التوفية بحقوق الحق وحقوق الخلق وتزكية النفس لا طمعًا في جنة ولا خوفًا من نار بل امتثالًا لأجل الملك الأعلى لأنه أهل لذلك، مع اعترافه بأنه لن يقدر الله تعالى حق قدره.
ولما بين تعالى أعمال الآخرة والدنيا أتبعه بيان ما هو الأصل في باب الضلالة والشقاوة فقال تعالى: {أم} أي: بل {لهم} أي: كفار مكة {شركاء} أي: على زعمهم وهم شياطينهم {شرعوا} أي: سنوا بالتزيين {لهم} أي: الكفار {من الدين} أي: الفاسد في العبادات والعادات {ما لم يأذن به الله} أي: الملك الذي لا أمر لأحد معه كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا، وقيل: شركاؤهم أوثانهم، وإنما أضيفت إليهم لأنهم هم الذين اتخذوها شركاء لله، ولما كانت سببًا لضلالهم جعلت شارعة لدين ضلالتهم، كما قال إبراهيم عليه السلام {رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس} (إبراهيم).
وقال ابن عباس: شرعوا لهم دينًا غير دين الإسلام {ولولا كلمة الفصل} أي: القضاء السابق بتأخير الجزاء أو لولا الوعد بأن الفصل يكون بينهم يوم القيامة {لقضي بينهم} أي: بين الذين امتثلوا أمره والتزموا شرعه وبين الذين اتبعوا ما شرعوه لمن سموهم شركاء في أقرب وقت، ولكنه قد سبق القضاء في الأزل بمقادير الأشياء وتحديدها على وجوه الحكمة فهي تجري على ما حد لها لا يتقدم شيء منها ولا يتاخر ولا يتبدل ولا يتغير وستنكشف لهم الأمور وتظهر مخبآت المقدور فلا يقع الفصل إلا في الآخرة كما سبق القضاء {وإن الظالمين} بشرع ما لم يأذن به الله من الشرك وغيره {لهم عذاب أليم} أي: مؤلم بليغ إيلامه، ثم إنه تعالى ذكر أحوال أهل العقاب وأحوال أهل الثواب مبتدئًا بالأول منهما بقوله تعالى: {ترى} أي: في ذلك اليوم {الظالمين} أي: الواضعين الأشياء في غير مواضعها {مشفقين} أي: خائفين أشد الخوف كما هو الحال من يحاسبه من هو أعلى منه وهو مقصر {مما كسبوا} أي: عملوا معتقدين أنه غاية ما ينفعهم {وهو} أي: جزاؤه ووباله الذي من جنسه حتى كأنه هو {واقع بهم} لا محالة سواء أشفقوا أم لم يشفقوا، ثم ذكر الثاني بقوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} وهي التي أذن الله تعالى فيها غير خائفين مما كسبوا لأنهم مأذون لهم في فعله وهو مغفور لهم ما فرطوا فيه {في روضات الجنات} أي: في الدنيا بما يلذذهم به الله تعالى من لذائذ الأقوال والأفعال والمعارف والأحوال، وفي الآخرة حقيقة بلا زوال، وروضة الجنة أطيب بقعة فيها، وفيه تنبيه على أن عصاة المؤمنين من أهل الجنة لأنه خص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأنهم في روضات الجنات وهي: البقاع الشريفة من الجنة فالبقاع التي دون تلك الروضات لا بد وأن تكون مخصوصة بمن كان دون الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقوله تعالى: {لهم ما يشاؤون عند ربهم} يدل على أن تلك الأشياء حاضرة عنده مهيأة والعندية مجاز.
تنبيه:
عند ربهم يجوز أن يكون ظرفًا ليشاؤون قاله الحوفي، أو للاستقرار العامل في لهم قاله: الزمخشري: وقوله تعالى: {ذلك} أي: الخير العظيم الرتبة الجليل القدر {هو الفضل الكبير} أي: الذي يصغر ما لغيرهم في الدنيا يدل على أن الجزاء المرتب على العمل إنما حصل بطريق الفضل من الله تعالى لا بطريق الوجوب والاستحقاق وقوله تعالى: {ذلك} أي: الجزاء العظيم من الجنة ونعيمها مبتدأ خبره {الذي يبشر الله} أي: الملك الأعظم والعائد وهو به محذوف تفخيمًا للمبشر به لأن السياق لتعظيمه بالإشارة ويجعلها بأداة البعد وبالوصف بالذي وذكر الاسم الأعظم والتعبير بلفظ العباد في قوله تعالى: {عباده} مع الإضافة إلى ضميره سبحانه.
ولما أشعر بصلاحهم بالإضافة نص عليه بقوله تعالى: {الذين آمنوا} أي: صدقوا بالغيب {وعملوا} تحقيقًا لإيمانهم {الصالحات} قرأ نافع وابن عامر وعاصم بضم الياء وفتح الباء الموحدة وكسر الشين مشددة، والباقون بفتح الياء وسكون الباء الموحدة وضم الشين مخففة من بشره.
ولما كان كأنه قيل: فما نطلب في هذه البشارة لأن الغالب أن المبشر وإن لم يسأل يعطى بشارته، كما وقع لكعب لما أذن الله تعالى بتوبته ركض راكض على فرس وسعى ساع على رجليه فأوفى على جبل سلع ونادى: يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءه الذي سمع صوته خلع عليه ثوبيه وهو لا يملك يومئذ غيرهما واستعار له ثوبين قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قل} أي: لمن توهم فيك ما جرت به عادة المبشرين {لا أسألكم} أي: الآن ولا في مستقبل الزمان {عليه} أي: البلاغ بشارة أو نذارة {أجرًا} أي: وإن قل {إلا} أي: لكن أسألكم {المودة} أي: المحبة العظيمة الواسعة {في القربى} أي: مظروفة فيها بحيث تكون القربى موضعًا للمودة وظرفًا لها لا يخرج شيء من محبتكم عنها.
تنبيه:
في الآية ثلاثة أقوال؛ أولها: قال الشعبي: أكثر الناس علينا في هذه الآية فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن ذلك فكتب ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وسط النسب من قريش ليس بطن من بطونهم إلا وقد ولده، وكان له فيهم قرابة فقال الله عز وجل: {قل لا أسألكم عليه أجرًا} على ما أدعوكم إليه إلا أن تودوا القربى، أي: تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة والمعنى: أنكم قربى وأحق من أجابني وأطاعني فإذ قد أبيتم ذلك فاحفظوا حق القربى وصلوا رحمي ولا تؤذوني، وإلى هذا ذهب مجاهد وقتادة وغيرهما.
ثانيها: روى الكلبي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده سعة فقالت الأنصار: إن هذا الرجل هداكم وهو ابن أخيكم وجاركم في بلدكم فاجمعوا له طائفة من أموالكم ففعلوا ثم أتوه بها فردها عليهم ونزل قوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه} أي: على الإيمان أجرًا إلا المودة في القربى أي: لا تؤذوا قرابتي وعترتي واحفظوني فيهم قاله سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب، ثالثها: قال الحسن: معناه إلا أن توادوا الله تعالى وتتقربوا إليه بالطاعة والعمل الصالح، فالقربى على القول الأول: القرابة التي بمعنى الرحم وعلى الثاني: بمعنى الأقارب وعلى الثالث: فعلى بمعنى القرب والتقرب والزلفى، فإن قيل: طلب الأجر على تبليغ الوحي لا يجوز لوجوه؛ أحدها: أنه تعالى حكى عن أكثر الأنبياء التصريح بنفي طلب الأجر فقال تعالى في قصة نوح: {وما أسألكم عليه من أجر} (الفرقان).
الآية، وكذا في قصة هود وصالح ولوط وشعيب عليهم الصلاة والسلام، ورسولنا أفضل الأنبياء فأن لا يطلب الأجر على النبوة والرسالة أولى، ثانيها: أنه صلى الله عليه وسلم صرح بنفي طلب الأجر فقال: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} و{قل ما سألتكم من أجر فهو لكم} (سبأ).
ثالثها: أن التبليغ كان واجبًا عليه قال تعالى: {بلغ ما أنزل إليك من ربك} (المائدة) الآية وطلب الأجر على أداء الواجب لا يليق بأقل الناس فضلًا عن أعلم العلماء.
رابعها: أن النبوة أفضل من الحكمة وقال تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا} (البقرة).
ووصف الدنيا بأنها متاع قليل قال تعالى: {قل متاع الدنيا قليل} (النساء).
فكيف يحسن بالعقل مقابلة أشرف الأنبياء بأخس الأشياء، خامسها: أن طلب الأجر يوجب التهمة وذلك ينافي القطع بصحة النبوة، فثبت بهذه الوجوه أنه لا يجوز من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب أجرًا البتة على التبليغ والرسالة وههنا قد ذكر ما يجري مجرى طلب الأجر وهو المودة في القربى؟
أجيب: بأنه لا نزاع في أنه لا يجوز طلب الأجر على التبليغ وأما قوله تعالى: {إلا المودة في القربى} فالجواب عنه من وجهين؛ الأول: أن هذا من باب قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهن فلول من قراع الكتائب

يعني: أني لا أطلب منكم إلا هذا وهذا في الحقيقة ليس أجرًا لأن حصول المودة بين المسلمين أمر واجب قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (التوبة).
وقال صلى الله عليه وسلم «المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضًا».
والآيات والأخبار في هذا كثيرة، وإذا كان حصول المودة بين المسلمين واجبًا فحصولها في حق أشرف المرسلين أولى فقوله: {إلا المودة في القربى} تقديره: والمودة في القربى ليست أجرًا، فرجع الحاصل إلى أنه لا أجر البتة. الثاني: أن هذا استثناء منقطع كما مر تقديره في الآية وتم الكلام عند قوله: {قل لا أسألكم عليه أجرًا} ثم قال: {إلا المودة في القربى} أي: أذكركم قرابتي فيكم فكأنه في اللفظ أجر وليس بأجر واختلفوا في قرابته صلى الله عليه وسلم فقيل: هم فاطمة وعلي وأبناؤهما، وفيهم نزل {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} (الأحزاب)، وروى زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني تارك فيكم كتاب الله وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي». قيل لزيد بن أرقم فمن أهل بيتي؟ فقال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. وروى ابن عمر عن أبي بكر رضي الله عنه قال: ارقبوا محمدًا في أهل بيته وقيل: هم الذين تحرم عليهم الصدقة من أقاربه ويقسم فيهم الخمس وهم بنو هاشم وبنو المطلب الذين لم يفترقوا جاهلية ولا إسلامًا، وقيل: هذه الآية منسوخة وإليه ذهب الضحاك بن مزاحم والحسين بن الفضل، قال البغوي: وهذا قول غير مرضي لأن مودة النبي صلى الله عليه وسلم وكف الأذى عنه ومودة أقاربه والتقرب إلى الله تعالى بالطاعة والعمل الصالح من فرائض الدين.
ولما كان التقدير فمن يقترف سيئة فعليه وزرها ولكنه طوى لأن المقام للبشارة كما يدل عليه ختم الآية عطف عليه قوله تعالى: {ومن يقترف} أي: يكتسب ويخالط ويعمل بجد واجتهاد وتعمد وعلاج {حسنة} أي: ولو صغرت {نزد} بما لنا من العظمة {له فيها} أي: في الحسنة {حسنًا} أي: بمضاعفة الثواب من الزيادة أن يكون له مثل أجر من اقتدى به فيها إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيء، قيل: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقيل: المراد بها العموم في أي: حسنة كانت إلا أنها لما ذكرت عقب ذكر المودة في القربى دل ذلك على أن المقصود التأكيد في تلك المودة {إن الله} أي: الذي لا يتعاظمه شيء {غفور} لكل ذنب تاب منه صاحبه وكان غير الشرك وإن لم يتب منه إن شاء فلا يصدن أحدًا سيئة عملها عن الإقبال على الحبيب {شكور} أي: فهو يجزي بالحسنة أضعافها وإن قلت والشكور في حق الله تعالى مجاز والمعنى: أنه تعالى يحسن إلى المطيعين في إيصال الثواب إليهم وفي أن يزيد عليه أنواعًا كثيرًا من التفضيل.
ثم ذكر الله تعالى الجواب عن طعن الكفرة في النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {أم} أي: بل {يقولون افترى} أي: محمد صلى الله عليه وسلم: {على الله} الذي أحاط بصفات الكمال فله العلم الشامل لمن يتقول عليه والقدرة التامة على عقابه {كذبًا} حين زعم أن هذا القرآن من عنده وأنه أرسله بهذا الدين {فإن يشأ الله} أي: الذي له الإحاطة بالكمال {يختم} أي: يربط {على قلبك} بالصبر على أذاهم بهذا القول وغيره وقد فعل، وقال قتادة: يعني يطبع على قلبك فينسيك القرآن وما آتاك فأخبرهم أنه لو افترى على الله كذبًا لفعل به ما أخبر عنه في هذه الآية، أي: أنه لا يجترئ على افتراء الكذب إلا من كان في هذه الحالة، والمقصود من هذا الكلام: المبالغة في تقرير الاستبعاد ومثاله: أن ينسب رجل بعض الأمناء إلى الخيانة فيقول الأمين: ذلك لعل الله خذلني أعمى قلبي وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب لنفسه وإنما يريد استبعاد صدور الخيانة منه وقوله تعالى: {ويمح الله} أي: الذي له الأمر كله {الباطل} وهو قولهم افترى مستأنف غير داخل في جزاء الشرط لأنه تعالى يمحو الباطل مطلقًا وسقطت الواو منه لفظًا لالتقاء الساكنين في الدرج وخطا حملًا للخط على اللفظ كما كتبوا سندع الزبانية عليه وأما الحق فإنه ثابت شديد مضاعف فلذا قال: {ويحق} أي: يثبت على وجه لا يمكن زواله {الحق} أي: كل ما من شأنه الثبات لأنه أذن فيه وأقره {بكلماته} أي: التي لو كان البحر مدادًا لها لنفذ وقد فعل الله تعالى ذلك فمحا باطلهم وأعلى كلمة الإسلام عليهم {إنه عليم} أي: بالغ العلم {بذات الصدور} أي: ما هو فيها مما يعلمه صاحبها ومما لا يعلمه فيبطل باطله ويثبت حقه وإن كره الخلائق ذلك ولتعلمن نبأه بعد حين، ولقد صدق الله تعالى فأثبت ببركة هذا القرآن كل ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم وأبطل بسيف هذا البرهان كل ما كانوا يخالفونه فيه ومن أصدق من الله قيلًا، قال ابن عباس: لما نزل {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى} وقع في قلوب قوم منها شيء وقالوا: يريد أن يخلطنا على أقاربه من بعده فنزل جبريل عليه السلام فأخبره أنهم اتهموه فأنزل الله تعالى هذه الآية فقال القوم: يا رسول الله فإنا نشهد أنك صادق فنزل:
{وهو} أي: لا غيره {الذي يقبل التوبة عن عباده} بالتجاوز عما تابوا عنه سئل أبو الحسن البوشنجي عن التوبة فقال: إذا ذكرت الذنب فلا تجد له حلاوة في قلبك.